فصل: (سورة الإسراء: آية 41)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الإسراء: آية 31]

{وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ إِنَّ قَتْلَهُمْ كانَ خِطْأً كَبِيرًا (31)}.
قتلهم أولادهم: هو وأدهم بناتهم، كانوا يئدونهنّ خشية الفاقة وهي الاملاق، فنهاهم اللّه وضمن لهم أرزاقهم. وقرئ {خَشْيَةَ} بكسر الخاء. وقرئ {خِطْأً} وهو الإثم، يقال: خطئ خطأ، كاثم إثما، وخطأ وهو ضدّ الصواب، اسم من أخطأ. وقيل: هو والخطء كالحذر والحذر، وخطاء بالكسر والمدّ. وخطاء بالفتح والمد. وخطأ بالفتح والسكون.
وعن الحسن: خطا بالفتح وحذف الهمزة كالخب.
وعن أبى رجاء: بكسر الخاء غير مهموز.

.[سورة الإسراء: آية 32]

{وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى إِنَّهُ كانَ فاحِشَةً وَساءَ سَبِيلًا (32)}.
{فاحِشَةً} قبيحة زائدة على حد القبح {وَساءَ سَبِيلًا} وبئس طريقا طريقه، وهو أن تغصب على غيرك امرأته أو أخته أو بنته من غير سبب، والسبب ممكن وهو الصهر الذي شرعه اللّه.

.[سورة الإسراء: آية 33]

{وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُورًا (33)}.
{إِلَّا بِالْحَقِّ} إلا بإحدى ثلاث: إلا بأن تكفر، أو تقتل مؤمنا عمدا، أو تزنى بعد إحصان. مَظْلُومًا غير راكب واحدة منهنّ {لِوَلِيِّهِ} الذي بينه وبينه قرابة توجب المطالبة بدمه، فإن لم يكن له ولى فالسلطان وليه سُلْطانًا تسلطا على القاتل في الاقتصاص منه. أو حجة يثب بها عليه {فَلا يُسْرِفْ} الضمير للولي. أي: فلا يقتل غير القاتل، ولا اثنين والقاتل واحد، كعادة الجاهلية: كان إذا قتل منهم واحد قتلوا به جماعة، حتى قال مهلهل حين قتل بجير بن الحارث بن عباد: بؤ بشسع نعل كليب. وقال:
كُلُّ قَتِيلٍ في كُلَيْبٍ غُرَّهْ ** حَتَّي يَنَالَ الْقَتْلُ آلَ مُرَّهْ

وكانوا يقتلون غير القاتل إذا لم يكن بواء. وقيل: الإسراف المثلة. وقرأ أبو مسلم صاحب الدولة: فلا يسرف، بالرفع على أنه خبر في معنى الأمر. وفيه مبالغة ليست في الأمر.
وعن مجاهد: أنّ الضمير للقاتل الأوّل. وقرئ: فلا تسرف، على خطاب الولي أو قاتل المظلوم.
وفي قراءة أبىّ: فلا تسرفوا، ردّه على: ولا تقتلوا {إِنَّهُ كانَ مَنْصُورًا} الضمير إمّا للولي، يعني حسبه أنّ اللّه قد نصره بأن أوجب له القصاص فلا يستزد على ذلك، وبأنّ اللّه قد نصره بمعونة السلطان وبإظهار المؤمنين على استيفاء الحق، فلا يبغ ما وراء حقه. وإمّا للمظلوم، لأنّ اللّه ناصره وحيث أوجب القصاص بقتله، وينصره في الآخرة بالثواب. وإما للذي يقتله الولي بغير حق ويسرف في قتله، فإنه منصور بإيجاب القصاص على المسرف.

.[سورة الإسراء: آية 34]

{وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا (34)}.
{بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} بالخصلة أو الطريقة التي هي أحسن، وهي حفظه عليه وتثميره {إِنَّ الْعَهْدَ كانَ مَسْؤُلًا} أي مطلوبا يطلب من المعاهد أن لا يضيعه ويفي به. ويجوز أن يكون تخييلا، كأنه يقال للعهد: لم نكثت؟ وهلا وفي بك؟ تبكيتا للناكث، كما يقال للموءودة: بأى ذنب قتلت؟ ويجوز أن يراد أنّ صاحب العهد كان مسئولا.

.[سورة الإسراء: آية 35]

{وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (35)}.
وقرئ {بِالْقِسْطاسِ} بالضم والكسر، وهو القرسطون. وقيل: كل ميزان صغر أو كبر من موازين الدراهم وغيرهما {وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} وأحسن عاقبة، وهو تفعيل، من آل إذا رجع، وهو ما يؤول إليه.

.[سورة الإسراء: آية 36]

{وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلًا (36)}.
{وَلا تَقْفُ} ولا تتبع. وقرئ: ولا تقف، يقال: قفا أثره وقافه، ومنه: القافة، يعني: ولا تكن في اتباعك ما لا علم لك به من قول أو فعل، كمن يتبع مسلكا لا يدرى أنه يوصله إلى مقصده فهو ضال. والمراد: النهى عن أن يقول الرجل ما لا يعلم، وأن يعمل بما لا يعلم، ويدخل فيه النهى عن التقليد دخولا ظاهرا. لأنه اتباع لما لا يعلم صحته من فساده.
وعن ابن الحنفية: شهادة الزور وعن الحسن: لا تقف أخاك المسلم إذا مرّ بك، فتقول: هذا يفعل كذا، ورأيته يفعل، وسمعته، ولم تر ولو تسمع. وقيل: القفو شبيه بالعضيهة. ومنه الحديث: «من قفى مؤمنا بما ليس فيه حبسه اللّه في ردغة الخبال حتى يأتى بالمخرج» وأنشد:
وَمِثْلُ الدُّمى شُمُّ الْعَرَانِينِ سَاكِنٌ ** بِهِنَّ الحَيَاءُ لَا يُشِعْنَ التَّقَافِيَا

أى التقاذف. وقال الكميت:
وَلَا أرْمِى البَرِيَّ بِغَيْرِ ذَنْبٍ ** وَلَا أَقْفُو الحَوَاصِنَ إنْ قُفِينَا

وقد استدل به مبطل الاجتهاد ولم يصح، لأنّ ذلك نوع من العلم، فقد أقام الشرع غالب الظن مقام العلم، وأمر بالعمل به {أُولئِكَ} إشارة إلى السمع والبصر والفؤاد، كقوله:
وَالْعَيْشَ بَعْدَ أُولَئِكَ الأَيَّامِ

و{عَنْهُ} في موضع الرفع بالفاعلية، أي: كل واحد منها كان مسئولا عنه، فمسئول: مسند إلى الجار والمجرور، كالمغضوب في قوله: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} يقال للإنسان: لم سمعت ما لم يحل لك سماعه، ولم نظرت إلى ما لم يحل لك النظر إليه، ولم عزمت على ما لم يحل لك العزم عليه؟ وقرئ {وَالْفُؤادَ} بفتح الفاء والواو، قلبت الهمزة واوا بعد الضمة في الفؤاد، ثم استصحب القلب مع الفتح.

.[سورة الإسراء: الآيات 37- 38]

{وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا (37) كُلُّ ذلِكَ كانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا (38)}.
{مَرَحًا} حال، أي: ذا مرح. وقرئ {مَرَحًا} وفضل الأخفش المصدر على اسم الفاعل لما فيه من التأكيد {لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ} لن تجعل فيها خرقا بدوسك لها وشدّة وطأتك.
وقرئ. لن تخرق، بضم الراء {وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبالَ طُولًا} بتطاولك. وهو تهكم بالمختال. قرئ سيئة وسيئه، على إضافة سيئ إلى ضمير كل، وسيئا في بعض المصاحف. وسيئات. وفي قراءة أبى بكر الصديق رضي اللّه عنه: كان شأنه. فإن قلت: كيف قيل سيئه مع قوله مكروها؟ قلت: السيئة في حكم الأسماء بمنزلة الذنب والإثم زال عنه حكم الصفات، فلا اعتبار بتأنيثه. ولا فرق بين من قرأ سيئة وسيئا. ألا تراك تقول: الزنا سيئة، كما تقول: السرقة سيئة، فلا تفرق بين إسنادها إلى مذكر ومؤنث. فإن قلت: فما ذكر من الخصال بعضها سيئ وبعضها حسن، ولذلك قرأ من قرأ {سَيِّئُهُ} بالإضافة، فما وجه من قرأ سيئة؟ قلت: كل ذلك إحاطة بما نهى عنه خاصة لا بجميع الخصال المعدودة.

.[سورة الإسراء: آية 39]

{ذلِكَ مِمَّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا (39)}.
{ذلِكَ} إشارة إلى ما تقدم من قوله: {لا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلهًا آخَرَ} إلى هذه الغاية. وسماه حكمة لأنه كلام محكم لا مدخل فيه للفساد بوجه.
وعن ابن عباس: هذه الثماني عشرة آية كانت في ألواح موسى، أوّلها، لا تجعل مع اللّه إلها آخر، قال اللّه تعالى {وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً} وهي عشر آيات في التوراة. ولقد جعل اللّه فاتحتها وخاتمتها النهى عن الشرك، لأن التوحيد هو رأس كل حكمة وملاكها، ومن عدمه لم تنفعه حكمه وعلومه وإن بذ فيها الحكماء وحك بيافوخه السماء، وما أغنت عن الفلاسفة أسفار الحكم، وهم عن دين اللّه أضل من النعم.

.[سورة الإسراء: آية 40]

{أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا (40)}.
{أَفَأَصْفاكُمْ} خطاب للذين قالوا: الملائكة بنات اللّه والهمزة للإنكار. يعني: أفخصكم ربكم على وجه الخلوص والصفاء بأفضل الأولاد وهم البنون، لم يجعل فيهم نصيبًا لنفسه، واتخذ أدونهم وهي البنات؟ وهذا خلاف الحكمة وما عليه معقولكم وعادتكم، فإن العبيد لا يؤثرون بأجود الأشياء وأصفاها من الشوب، ويكون أردأها وأدونها للسادات {إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا} بإضافتكم إليه الأولاد وهي خاصة بالأجسام، ثم بأنكم تفضلون عليه أنفسكم حيث تجعلون له ما تكرهون، ثم بأن تجعلوا الملائكة وهم أعلى خلق اللّه وأشرفهم أدون خلق اللّه وهم الإناث.

.[سورة الإسراء: آية 41]

{وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِيَذَّكَّرُوا وَما يَزِيدُهُمْ إِلاَّ نُفُورًا (41)}.
{وَلَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ} يجوز أن يريد بهذا القرآن إبطال إضافتهم إلى اللّه البنات، لأنه مما صرفه وكرّر ذكره، والمعنى: ولقد صرفنا القول في هذا المعنى. أو أوقعنا التصريف فيه وجعلناه مكانا للتكرير. ويجوز أن يشير بهذا القرآن إلى التنزيل ويريد. ولقد صرفناه، يعني هذا المعنى في مواضع من التنزيل، فترك الضمير لأنه معلوم. وقرئ: صرفنا بالتخفيف وكذلك {لِيَذَّكَّرُوا} قرئ مشدّدا ومخففًا، أي: كررناه ليتعظوا ويعتبروا ويطمئنوا إلى ما يحتج به عليهم {وَما يَزِيدُهُمْ إِلَّا نُفُورًا} عن الحق وقلة طمأنينة إليه.
وعن سفيان: كان إذا قرأها قال. زادني لك خضوعا ما زاد أعداءك نفورا.

.[سورة الإسراء: الآيات 42- 43]

{قُلْ لَوْ كانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَما يَقُولُونَ إِذًا لابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا (42) سُبْحانَهُ وَتَعالى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا (43)}.
قرئ: كما تقولون، بالتاء والياء. و{إِذًا} دالة على أن ما بعدها وهو {لَابْتَغَوْا} جواب عن مقالة المشركين وجزاء ل لو. ومعنى {لَابْتَغَوْا إِلى ذِي الْعَرْشِ سَبِيلًا} لطلبوا إلى من له الملك والربوبية سبيلا بالمغالبة، كما يفعل الملوك بعضهم مع بعض، كقوله: {لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتا} وقيل: لتقرّبوا إليه، كقوله: {أُولئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ}. {عُلُوًّا} في معنى تعاليا. والمراد البراءة عن ذلك والنزاهة. ومعنى وصف العلوّ بالكبر: المبالغة في معنى البراءة والبعد مما وصفوه به.

.[سورة الإسراء: آية 44]

{تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كانَ حَلِيمًا غَفُورًا (44)}.
والمراد أنها تسبح له بلسان الحال، حيث تدل على الصانع وعلى قدرته وحكمته، فكأنها تنطلق بذلك، وكأنها تنزه اللّه عز وجلّ مما لا يجوز عليه من الشركاء وغيرها. فإن قلت: فما تصنع بقوله: {وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} وهذا التسبيح مفقوه معلوم؟ قلت: الخطاب للمشركين، وهم وإن كانوا إذا سئلوا عن خالق السموات والأرض قالوا: اللّه، إلا أنهم لما جعلوا معه آلهة مع إقرارهم، فكأنهم لم ينظروا ولم يقرّوا، لأنّ نتيجة النظر الصحيح والإقرار الثابت خلاف ما كانوا عليه، فإذا لم يفقهوا التسبيح ولم يستوضحوا الدلالة على الخالق. فإن قلت: من فيهنّ يسبحون على الحقيقة وهم الملائكة والثقلان، وقد عطفوا على السموات والأرض، فما وجهه؟ قلت: التسبيح المجازى حاصل في الجميع فوجب الحمل عليه، وإلا كانت الكلمة الواحدة في حالة واحدة محمولة على الحقيقة والمجاز {إِنَّهُ كانَ حَلِيمًا غَفُورًا} حين لا يعاجلكم بالعقوبة على غفلتكم وسوء نظركم وجهلكم بالتسبيح وشرككم.

.[سورة الإسراء: الآيات 45- 48]

{وَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجابًا مَسْتُورًا (45) وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْرًا وَإِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُورًا (46) نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ إِذْ يَسْتَمِعُونَ إِلَيْكَ وَإِذْ هُمْ نَجْوى إِذْ يَقُولُ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ رَجُلًا مَسْحُورًا (47) انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (48)}.
{حِجابًا مَسْتُورًا} ذا ستر كقولهم. سيل مفعهم ذو إفعام. وقيل: هو حجاب لا يرى فهو مستور. ويجوز أن يراد أنه حجاب من دونه حجاب أو حجب، فهو مستور بغيره. أو حجاب يستر أن يبصر، فكيف يبصر المحتجب به، وهذه حكاية لما كانوا يقولونه {وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ} كأنه قال: وإذا قرأت القرآن جعلنا على زعمهم {أَنْ يَفْقَهُوهُ} كراهة أن يفقهوه. أو لأنّ قوله: {وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً} فيه معنى المنع من الفقه، فكأنه قيل: ومنعناهم أن يفقهوه. يقال: وحد يحد وحدا وحدة، نحو وعد يعدو عدا وعدة، ووَحْدَهُ من باب رجع عوده على بدئه، وافعله جهدك وطاقتك في أنه مصدر سادّ مسدّ الحال، أصله: يحد وحده بمعنى واحدا، وحده. والنفور: مصدر بمعنى التولية. أو جمع نافر كقاعد وقعود، أي: يحبون أن تذكر معه آلهتهم لأنهم مشركون، فإذا سمعوا بالتوحيد نفروا {بِما يَسْتَمِعُونَ بِهِ} من الهزؤ بك وبالقرآن، ومن اللغو: كان يقوم عن يمينه إذا قرأ رجلان من عبد الدار، ورجلان منهم عن يساره، فيصفقون ويصفرون ويخلطون عليه بالأشعار. و{بِهِ} في موضع الحال كما تقول يستمعون بالهزؤ، أي هازئين. و{إِذْ يَسْتَمِعُونَ} نصب بأعلم، أي: أعلم وقت استماعهم بما به يستمعون {وَإِذْ هُمْ نَجْوى} وبما يتناجون به، إذ هم ذو ونجوى {إِذْ يَقُولُ} يدل من إذ هم {مَسْحُورًا} سحر فجنّ. وقيل: هو من السحر وهو الرئة، أي: هو يشر مثلكم {ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ} مثلوك بالشاعر والساحر والمجنون {فَضَلُّوا} في جميع ذلك ضلال من يطلب في التيه طريقا يسلكه فلا يقدر عليه، فهو متحير في أمره لا يدرى ما يصنع. اهـ.